أخبار عاجلةأخبار مصرالأدب و الأدباء
الدكتور خالد عبد الغني يكشف الحقيقة التي كانت غائبة في محاكمة طه حسين “شكرا خيري شلبي”
الحقيقة التي كانت غائبة في محاكمة طه حسين “شكرا خيري شلبي”د.خالد محمد عبدالغنيفي مؤتمر اتحاد الكتاب عام 2012 عن خيري شلبي ابتدأت كلامي بقولي ” أعزائي الحضور نقاد الأدب ودارسيه لا تتعجبوا حين لا تجدوا البلاغة التي تعودتم عليها في حواراتكم وندواتكم، واغفروا لي اقتحامي عالم مؤتمركم هذا، فلا أنا من دارسي الأدب، ولا من معتادي ندواته، ولا من عاشقي الظهور في مناسباته، فأنا قادم إليكم من علم النفس بمنهجه السيكومتري الجاف واحصائياته وجدواله صعبة الفهم، وقضاياه التي لا تهم المجتمع في أغلبها، أقول جئت إليكم، وأنا لا أملك إلا الحب للأدب وأرجو أن يكون ذلك الحب هو معراجي إليكم، ويقيناً سأرضى بما يصدر عنكم من حكم على محاولتي التي ستسمعونها” وكانت حول قاءة نفسية لشخصية فاطمة تعلبة من رواية الوتد ،بيننافي أحد أيام الصيف القائظ من عام 2010 وبعد ندوة أدبية بالهيئة المصرية العامة للكتاب كان اللقاء الأول حيث وقف الأستاذ خيري شلبي في ساحة الهيئة وأمام الباب الرئيسي من الداخل فاقتربت منه – متجاوزاً كل الحدود الممكنة والخوف المترسب في أعماقي فأنا أعرفه صورة مرئية وكلمة مكتوبة ومسموعة عبر وسائل الإعلام المختلفة – وسلمت عليه ولم أستطع القول إلا الجملة التالية ” لقد قرأت لكم كثيراً وتابعتكم في وسائل الإعلام وأحب أن أكتب عنكم ولكن ينقصني مكان النشر”. وانصرف وعدت سعيداً لأكمل قراءة الدساس وفرعان من الصبار والخراز وغيرها ، دون البدء في كتابة شيئ محدد، وعلى الفور وبلا تردد قررت أن رواية الوتد هي ما أحب أن أكتب عنها، ولعل ترحيبي بها بعد التأمل في الذات يعود لأنني شاهدت وعشت تفاصيل الكثير من أحداث وشخصيات هذه الرواية بحكم نشأتي وحياتي في الريف منذ ميلادى وحتى الآن فكنت يوماً الراوي وأياماً أخرى كنت الشيخ طلبه، ورأيت في بيوت القرية َمنْ تقاطع في شخصيته تماماً مع شخصيات الرواية سواء من الرجال أو النساء.وفي الملتقى الدولي الخامس للرواية بدار الأوبرا في 11 ديسمبر 2010 كان اللقاء الثاني وسألته عن روايته الوتد “هل فكرتم في أن تكون رواية الوتد رواية أجيال تُنَظِرُ فيها للأمومة (الماتريركية) Matriarchy وقانونها القديم كما فعل نجيب محفوظ في الثلاثية فرأينا تَنْظِيرَه للأبوة (البطريركية) Patriarchy وعلاقتها بأسس العائلة الناجحة المترابطة كما يراها علم النفس الحديث وهل في خيالكم شيء عن فنيات العلاج النفسي وبخاصة التحليل النفسي مثلما فعلت شهرزاد في ليالي ألف ليلة وليلة ؟ فأجاب لا. ولكن كل ما قصدته هو أن أعبر عن نموذج المرأة المصرية في الريف وصحيح أن الرواية فيها بعض الواقع والخبرة الذاتية.وفي مقهى المجلس الاعلى للثقافة في منتصف يناير 2011 إلتقيته ظهراً لاجراء حوار حول تجربته الابداعية فقال ” إني متعب… أعطني الاسئلة وسأرد عليها عندما تتحسن حالتي ” .وفي ليلة 25 يناير 2011 وخلال حفل تأبين الناقد الراحل فاروق عبد القادر بالمجلس الأعلى للثقافة قلت له : ” لا تنس سيادتكم الحوار ” فرد “لا تخف”. وكان السلام والتحية والابتسامة آخر ما بيننا.وعرضت رؤيتي لقصة الوتد في عام 2011 منشورة بجريدة المصري اليوم وبكتابي “الشخصة المحورية في الرواية العربية الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2018، وقارنت بين رواية الوتد وثلاثية نجيب محفوظ في أحد جوانبها التي تتعلق بالمرأة المصرية. ونشرت عدة مرات عن خيري شلبي وتحدثت في الاذاعة والتليفزيون في عدة برامج عنه وعن أعماله وأعددت ملفا عنه بجريدة الحياة المصرية في عيد ميلاده هذا العام شارك فيه عددا من الكتاب والمبدعين المصريين والعرب منهم د. يسري عبدالغني والأديب العراقي على لفتة سعيد والشاعر السوري عيسى الشيخ حسن والشاعر المصري محمد دياب. وما أحب أن أحدثكم اليوم عنه هو كتابه “محاكمة طه حسين ” .هذا الكتاب وثيقة شديدة الأهمية. فمنذ أن اكتشف – بالصدفة أثناء بحثه في إحدى مكتبات القاهرة العتيقة – الروائي العملاق خيري شلبي قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي، وسارع بتحقيقه وتقديمه للقراء في كتاب، أصبح اسم محمد نور- رئيس النيابة الذي حقق مع طه حسين-علماً من إعلام النقد الحديث، بعد أن كان مجهولاً تماماً، كما أصبح هذا الكتاب بالضرورة أحد أهم المراجع، في قضية كتاب الشعر الجاهلي الذي أثار الزوابع في عصره فاستقالت حكومات وتظاهرت فئات كثيرة في المجتمع بسببه.نص بيان الإتهامنحن محمد نور رئيس نيابة مصرمن حيث أنه بتاريخ 30 مايو سنة 1926م تقدم بلاغ من الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالي بالأزهر لسعادة النائب العمومي يتهم فيه الدكتور طه حسين الأستاذ بالجامعة المصرية بأنه ألف كتابا أسماه “في الشعر الجاهلي“ ونشره على الجمهور وفي هذا الكتاب طعن صريح في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم إلى آخر ما ذكره في بلاغه .وتاريخ 5 يونيو سنة 1926م أرسل فضيلة شيخ الجامع الأزهر لسعادة النائب العمومي خطابا يبلغ به تقريرا رفعه علماء الجامع الأزهر عن كتاب ألفه طه حسن المدرس بالجامعة المصرية أسماه “في الشعر الجاهلي“ كذب فيه القرآن صراحة ، وطعن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نسبه الشريف وأهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة ويدعو الناس للفوضى ، ويطلب اتخاذ الوسائل القانونية الفعالة الناجحة ضد هذا الطعن على دين الدولة الرسمي وتقديمه للمحاكمة وقد أرفق بهذا البلاغ صورة من تقرير أصحاب الفضيلة العلماء الذي أشار إليه في كتابه . وبتاريخ 14 سبتمبر سنة 1921 تقدم إلينا بلاغ آخر من حضرة “عبد الحميد البنان” أفندي عضو مجلس النواب ذكر فيه أن الأستاذ طه حسين المدرس بالجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع في المحافل والمحلات العمومية كتابا أسماه “في الشعر الجاهلي“ طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي – وهو دين الدولة – بعبارات صريحة واردة في كتابه سنبينه في التحقيقات .وحيث أنه نظرا لتغيب الدكتور طه حسين خارج القطر المصري قد أرجأنا التحقيق إلى ما بعد عودته . فلما عاد بدأنا التحقيق بتاريخ 19أكتوبر سنة 1926م فأخذنا أقوال المبلغين جملة بالكيفية المذكورة بمحضر التحقيق ثم استجوبنا المؤلف . وبعد ذلك أخذنا في دراسة الموضوع بقدر ما سمحت لنا الحالة .وحيث أنه اتضح من أقوال المبلغين أنهم ينسبون للمؤلف أنه طعن على الدين الإسلامي في مواضع أربعة من كتابه :الأول: أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن الكريم في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل حيث ذكر في ص 26 من كتابه “ للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا . ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن من جهة أخرى“ إلى آخر ما جاء في هذا الصدد .الثاني : ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعا وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله ، وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه مع أن معاشر المسلمين يعتقدون أن كل هذه القراءات مروية عن الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .الثالث : ينسبون للمؤلف أنه طعن في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم طعنا فاحشا من حيث نسبه فقال في ص 72 من كتابه : “ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش ، فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون عبد مناف صفوة بني قصي وأن يكون قصي صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلها” . وقالوا إن تعدي المؤلف بالتعريض بنسب النبي صلى الله عليه وسلم والتحقير من قدره تعدّ على الدين وجرم عظيم يسيء إلى المسلمين والإسلام فهو قد اجترأ على أمر لم يسبقه إله كافر ولا مشرك .الرابع : أن الأستاذ المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم إذ يقول في ص80 : “أما المسلمون فقد أرادوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل“ .. إلى أن يقول في ص81 : “وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون وانصرفت عنه إلى عبادة الأوثان“ .. إلى آخر ما ذكره في هذا الموضوع .ومن حيث إن العبارات التي يقول المبلغون إن فيها طعنا على الدين الإسلامي إنما جاءت في كتاب في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي ألف من أجله ، فلأجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضوعها والنظر إليها منفصلة ، وإنما الواجب توصلا إلى تقديرها تقديرا صحيحا بحثها حيث هي في موضوعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسئوليته تقديراً صحيحاً . |